17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| حين حدثتنى دمياط عن الانتماء

إيقاع مختلف| حين حدثتنى دمياط عن الانتماء

"إني لأعْجَبُ

كيفَ يمكنُ أنْ يخونَ الخائنون!
أيخونُ إنسانٌ بلاده!
إنْ خانَ معنى أنْ يكونَ

فكيفَ يمكنُ أنْ يكون؟!"

تلك كانت كلمات الشاعر العراقى المدهش بدر شاكر السياب التى تداعت إلى ذهنى حين دعانى الروائى المصرى المتميز فكرى داوود إلى المؤتمر السنوى لإقليم شرق الدلتا الثقافى، والذى عقد تحت عنوان "الأدب وقضايا الانتماء"، والتقى فيه أدباء محافظات أربع هى دمياط والدقهلية والشرقية وكفر الشيخ.

ذلك أن كلمة "الانتماء" تظل من الكلمات المحيرة، فكثيراً ما نضيق بتكرارها على الألسنة، ربما لأننا نراها واحدة من البدهيات المسلم بها، والتى لا تحتاج إلى أن تتحول إلى أغنيات أو شعارات أو قضايا للمناقشة، كما أننا كثيراً ما نضيق بأولئك الذين يحتكرون معناها أو يتصورون أنفسهم أوصياء على هذا المعنى، فنحن لا ننتمى إلى أوطاننا أداء لواجب ولا وفاء لحق، وإنما ننتمى إلى الوطن حتى يتحقق وجودنا الذاتى، فلا وجود لى دون انتماء إلى وطن يكتمل به ذلك الوجود وتتجسد فى محبته تلك الكينونة.

كان طبيعياً أن يتبارى الأدباء والمبدعون فى تأكيد معنى الانتماء والحض عليه، لكن المدهش حقاً هو ما جاء فى كلمة محافظ دمياط الدكتور إسماعيل عبد الحميد والتى ألقاها نيابة عنه اللواء سامى حمودة السكرتير العام للمحافظة، وكان وجه الإدهاش فيها هو ذلك الحديث المهم عن أهمية الثقافة ودور المثقفين، وكيف أن ما يعانيه المجتمع فى المرحلة الحالية ما كان له أن يقع لولا تراجع مكان المثقف ومكانته، أو إقصاء المثقفين عن صدارة المشهد، وأن ميزان المجتمع لا يمكن له أن يستعيد استقامته مجددا إلا بعد أن تستعيد الثقافة مكانها فى الرؤوس ويستعيد المثقفون مكانتهم فى المجتمع.

كان الحديث مدهشاَ ومهماً لأنه يأتى من التنفيذيين والسياسيين الذين كثيراً ما أثر عنهم أنهم ينظرون إلى الثقافة والمثقفين بغير قليل من الريبة والحذر إلى حد شيوع العبارة الشهيرة المنسوبة إلى "جوبلز" وزير الدعاية النازى، تلك العبارة التى تقول: "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسى"، فضلاً عن وصف سياسى مصرى كبير جدا للمثقفين فى مرحلة سابقة بأنهم "الأفندية" أو "جنرالات المقاهى".

إن الحديث المهم الذى شهده مؤتمر "الأدب وقضايا الانتماء" حين يتحول إلى واقع على الأرض يمكن أن يسهم إسهاماً كبيراً فى استعادة المجتمع لتوازنه على المستويات كافة، فهل نحن فاعلون؟

--------------

المقال منشور في المشهد الأسبوعي (عدد 29 - 5 - 2018)
آ 

آ 

آ 

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة